الفلك أمام عظمة القرآن
المشارق و المغاربقال الله تعالى في كتابه العزيز:
1- ((رب المشرق و المغرب لا اله إلا هو فاتخذه وكيلا )) المزمل:9
2- (( رب المشرقين ورب المغربين فبأي آلاء ربكما تكذبان)) الرحمن:17
3- ((فلا أقسم برب المشارق والمغارب )) المعارج: 40
سبحانك يا رب فكل شيء في الوجود يشهد على عظمة صنيعك وعلى جليل إبداعك , على أنك الواحد الأحد المتفرد الصمد , بكل شيء تصدح ألحان التوحيد لتبعث الأمل في النفوس , وتطمئن العقول الحائرة المترددة ومهما تسارعت عجلة الكشوف العلمية , ومهما تسابق العلماء و الباحثون ومهما انكشف أمامهم من حقائق جديدة سرعان ما يجدون أن آيات القرآن الكريم كانت هناك تنتظرهم منذ البداية .
فالإنسان منذ أن وجد على سطح الأرض لاحظ أن الشمس تطلع عليه كل يوم من جهة واحدة لا تتغير لتسير بعدها في كبد السماء (الشمس في الحقيقة لا تسير في القبة السماوية وإنما هي حركة ظاهرية فالأرض هي التي تدور معرضة أصقاعها المختلفة لأشعة الشمس ) ثم بعد ذلك تغرب في جهة أخرى مقابلة و معاكسة , لذلك سمى الجهة التي تشرق منها الشمس الشرق أو المشرق , وسمى الجهة التي تغرب فيها الشمس بالغرب أو المغرب, إذاً فالمشرق الذي ورد في الآية القرآنية الأولى هو جهة الشروق على وجه التعميم أو مانسميه بالشرق وكذلك الجهة التي تغرب فيها الشمس على وجه العموم سميت بالغرب أو بالمغرب .
وعليه والله أعلم أن المقصود بالآية القرآنية الكريمة: ((لله المشرق و المغرب)) البقرة :144 هي الجهة التي تطلع منها الشمس و الجهة المقابلة التي تغرب فيها . ولم يقتصر ذكر القرآن للمشرق و المغرب بالمفرد إنما ذكرهما بالتثنية و الجمع فقال: (( رب المشرقين ورب المغربين)) و (( رب المشارق و المغارب )) فأين يقع المشرقان و المغربان, وأين تقع تلك المشارق و المغارب ؟؟؟.
المشرقين:هي أقصى اتساع للمسافة بين مشرق الشتاء أقصى الشمال الشرقي , ومشرق الصيف في أقصى الجنوب الشرقي وهذا أبعد مشرقين تبلغهما الشمس أثناء رحلة الفصول .
يقابلها أيضاً مغربان متناظران , مغرب الصيف أقصى الشمال الغربي ومغرب الشتاء أقصى الجنوب الغربي وعليه يكون نهار الشتاء قصيراً لقصر المسافة الظاهرية التي تقطعها الشمس من جنوب الشرق إلى جنوب الغرب مباشرة ويكون نهار الصيف طويلاً ولاهباً لطول المسافة التي تقطعها الشمس من شمال الشرق إلى شمال الغرب وفق مسار نصف دائري طويل .
أما الآية القرآنية الثالثة آية الجمع ((فلا أقسم برب المشارق و المغارب)) فإن الشمس لا تشرق على جميع الأرض في نفس الوقت , ولا تغرب عنها في نفس الوقت أيضاً , فلكل بقعة من بقاع الأرض مشرق خاص أو وقت شروق خاص بها , ولها وقت غروب خاص أيضاً ولقد قسمت الكرة الأرضية الى 360 خطاً للطول تصل بين قطبي الكرة الأرضية والمسافة الزمنية بين كل خطين ( أربع دقائق ) , فحتى بين مدينتين تقعان على خطي طول متتاليين ,فانه يتأخر شروق الشمس في الثانية أربع دقائق عن الأولى .
وإن كان هناك مدينتان المسافة بينهما 180 خط طول , تكون لحظة غروب الشمس في إحداهما هي لحظة شروق الشمس في الأخرى فعندما تشرق الشمس مثلا في مدينة مسقط تغرب في مدينة فرانسيسكو في نفس اللحظة وعندما تشرق الشمس في سوريا تغرب في جزر هاواي أيضاً .
ورواد الفضاء في المحطات الفضائية التي تدور حول الأرض كل 88 دقيقة في مدار أرضي ثابت, يرون 16 شروقا و 16 غروباً كل 24 ساعة . إذا لكل بقعة من الأرض كما ذكرنا مشرقها الخاص ومغربها الخاص , ويتكرر ذلك على مدار الساعة حول الكرة الأرضية بأسرها ,وعليه يكاد أن يكون عدد المشارق و المغارب على سطح الأرض عدداً لا يحصى , فهل هناك بيان ؟!
هذا و ينجم عن اختلاف المشارق و المغارب , اختلاف التوقيت على سطح الأرض , فهل هناك دليل على كروية الأرض ودورانها حول نفسها أبلغ من هذا الدليل ؟ فلو كانت الأرض مسطحة لكان لها مشرق واحد لا غير ومغرب واحد لا غير , ولا تكوير ولا إيلاج لليل و النهار , ولو كانت الأرض ثابتة لا تدور لحدث ما تتحدث عنه الآيات القرآنية التالية :
(( قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة , من اله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون. قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة , من اله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه , أفلا تبصرون )) القصص : 71-72 .
البحار
((مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان )) الرحمن:19
وأعود للحديث عن البحار, فالبحار تشكل 3/4 سطح الكرة الأرضية وهي شديدة الملوحة, لا يمكن شربها إلا بتصفيتها بمحطات خاصة.
والحكمة من ذلك أن يبقى البحر يؤدي وظيفته مدى الدهر فلو كان ماء البحر عذب فرات لدب فيه الفساد من حيواناته التي تموت به و تتكاثر البكتريات نتيجة ما تحمله الأنهار إليها من مخلفات اليابسة و قاذوراتها,عندئذٍ يتحول البحر إلى مستنقع فتتكاثر فيه الجراثيم والحشرات و تصبح مصدرا خطيرا للتلوث و بالتالي وبمرور الزمن مصدراً للمرض و الإنتان و الموت و هلاك الكائنات الحية سواء التي تعيش فيه أو خارجه , ولكن حكمة الحكيم قضت بملوحته و بالتالي عدم صلاحيته لنمو الجراثيم و العوامل الممرضة , وبذلك يبقى طاهراً نظيفاً .
وحكمة أخرى هي توزع البحار و المحيطات بين القارات , فلو كانت البحار في جهة و اليابسة في جهة أخرى لتعطلت دورة المطر العجيبة ولأصبح محيط اليابسة هو المكان الوحيد لسقوط المطر , أما وسطها و معظمها فهو صحراء جرداء يابسة قاحلة .
و الآن عودة إلى الآية المذكورة: ((مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان )) الرحمن :19
فلقد ثبت علمياً أن الماء العذب لا يختلط أبداً بالماء المالح مادام هذا الماء متحركاً بسرعة معينة , وذلك يعود إلى أن فرق الكثافة الذي يجعل الماء العذب يمتزج بالماء المالح , يتغلب عليه عامل الحركة و السرعة فيمنع اختلاط الماء العذب بالماء المالح والدليل على ذلك أن مصبات الأنهار تبقى عذبة في مياه البحر حتى عدة مئات من الأمتار أو الكيلومترات وذلك بحسب غزارة النهر عند مصبه , فالنيل مثلاً يبقى ماءه عذباً حتى عدة كيلومترات في البحر المتوسط , و الأمازون لشديد الغزارة يتدفق في قلب المحيط الأطلسي ويبقى عذباً حتى مسافة مائة كيلو متر عندها يتغلب ضغط ماء المحيط على غزارة ماء الأمازون ويمتزج البحران , الذي لا نراه , ويعمل و كأنه حاجز حقيقي من الاسمنت و الحديد .
هذه هي البحار وهذه عظمة البحار, والتقاء الأنهار العظيمة بالبحار .
قال تعالى في كتابه العزيز:
(( وما يستوي البحران هذا عذب فرات , وهذا ملح أجاج )) صدق الله العظيم فاطر :12
ملاحظة: يوجد في كثير من البحار وخصوصاً في المناطق الضحلة ينابيع عذبة تنبع من قاع البحر و تفور كما يغلي الماء في القدور و تبقى عذبة حتى مسافة عدة أمتار قبل أن تتلاشى و تختلط بماء البحر الأجاج.