الحقيقة حول استهلاك المخدرات في العالم العربي
المتوسط اونلاين - تشكّل ظاهرة إنتاج وتعاطي المخدرات مشكلة
عالمية يعاني منها كلّ المجتمعات تقريبا، وهي آفة تمثل 8% من
مجموع التجارة العالمية. ومع ذلك تبقى هذه النسبة تقديرية، حيث يشير
تقرير الأمم المتحدة بشأن المخدرات إلى أن الكمية المضبوطة تشكل
نسبة ضئيلة مقارنة بما يتم تهريبه.
ولا يخفى على أحد، أن مشكلة المخدرات تعدّ من أبرز المشاكل التي
تواجه الكثير من دول العالم العربي، وبسبب التكتم، الذي صار جزءا
من الأزمة يساهم في تفشيها ويحول دون علاجها، فليس ثمة معلومات
كافية عن حال المخدرات في الوطن العربي.
وقد تزايد الطلب على هذه المواد القاتلة مما جعل جل الدول التي تنتجها
تضاعف منتوجها وتقويه. وكثرة الطلب والمنافسة جعلت أثمانها
تنخفض وتتوافر بكثرة في الأسواق وساعد على ترويجها التقدم
التكنولوجي وتطوير عمليات تهريبها من طرف عصابات مافيا التي
زرعت لها جذور متينة في الوطن العربي.
تعاطي المخدرات ليس بالأمر الدخيل على المجتمعات العربية، بل إنه
يدخل في بعض المجتمعات، وعلى رأسها اليمن ومصر، في العادات
الاجتماعية، فكما اشتهرت اليمنيون بالقات، عرف المصريون بالحشيش،
وهو نوع من المخدرات يستخرج من نبتة القنب، كما أن زراعة البانجو
منتشرة على مساحات واسعة في سيناء مع وجود حقول شاسعة من
الأفيون في شبه جزيرة سيناء. وتؤكد وكالة الأمم المتحدة لمكافحة
المخدرات والجريمة أن هذه التجارة نشيطة جدا في مصر نظرا لموقعها
الجغرافي الذي يجعلها مركزا لعمليات تهريب الهيروين والقنب الهندي
من جنوب شرق آسيا إلى أوروبا.
وتنشط تجارة المخدرات بشكل خطير وواسع في الوطن العربي فهو
يتمتع بموقع استراتيجي لمثل هذه التجارة السوداء، فهو يربط بين
القارات الثلاث، وممرّ آمن يربط بين الدول المنتجة والمصدرة
للمخدرات وبين الدول المستهلكة وهي الدول الأوروبية وأميركا، كما
سهلت حدوده الجبلية والصحراوية مهمة مهربي المخدرات. وتعتبر
البحار والمحيطات التي تحيط بالوطن العربي معبرا ممتازا بين مناطق
إنتاج المخدرات في آسيا، ومناطق استهلاكها في أوروبا والشرق
الأوسط، هذا بالإضافة إلى أن العالم العربي يعتبر سوقا نشيطة تستهلك
كميات وافرة من المخدرات.
وذكر تقرير أعده الدكتور أحمد جمال أبو العزايم، رئيس الإتحاد العربي
للوقاية من الإدمان، أن نسبة المدمنين على المخدرات في العالم العربي
تتراوح ما بين 7-10%، وأن معظم المدمنين من فئة الشباب.
وحسب أبو العزايم أن مشكلة الإدمان ''أصبحت كالحصان الجامع، وكل
الجهود المبذولة لم تتمكن من اللحاق به".
يرى أبو العزايم أن رواج هذه السموم خاصة بين الشباب يعود في المقام
الأول إلى المتغيرات التي حصلت في السنوات الأخيرة خاصة على
الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، وقد نتج عن هذه التغييرات تحولات
كثيرة طالت مقومات المجتمع العربي. وأضحت الأسرة منشغلة توفير
لقمة العيش والمال، ولم تعد تصب جلّ اهتمامها بالأبناء، الذين انغمسوا
في عالم الانترنت والفضائيات دون رقيب. كما أدى مفهوم الحرية
الخاطئ لدى بعض الشباب، خاصة من أبناء الأسر ميسورة الحال، إلى
اعتبار تعاطي المخدرات أمرا فيه تقدم ودليل على التحضّر والتميّز
الاجتماعي.
لقد تغلغلت تجارة المخدرات في باطن المجتمعات العربية الواهنة
والهشة، وقد وجدت أرضا خصبة تدعمها مافيات منظمة يدخل تحت
جناحها رجال أعمال كبار وأحيانا رجال من السلطة مما سهّل عمليات
رواج هذه السموم.
ووو
وتعتبر دول الخليج العربي الغنية منطقة مثالية حتى تحوّلت إلى سوق
استهلاكية كبيرة للمخدرات.
وحسب ما تشير إليه تقارير الأمم المتحدة فقد ارتفع معدل استهلاك
المخدرات في المجتمعات الخليجية بشكل خطير جدا، حيث وصل إلى 4.6
%، مقابل 2.2% فقط للولايات المتحدة، و2.5% لدول أميركا الجنوبية.
إلى ذلك ساعدت الظروف السيئة في العراق إلى جعل الحدود العراقية
سوقا نشطة لتجارة السموم، وقد ذكرت منظمة الدولية لمراقبة تهريب
المخدرات التابعة للأمم المتحدة في تقرير لها "أن العراق قد تحول إلى
محطة ترانزيت رئيسية لنقل الهروين المصنع في أفغانستان وإيران إلى
دول العالم".
وقد أدت ظروف الحرب والفوضى الأمنية والاجتماعية إلى رواج
استعمال المواد المخدرة بين العراقيين، وحسب ما تقوله تقارير صادرة
عن وزارة الصحة العراقية "فإن من بين كل عشرة شبان عراقيين
أعمار ما بين 18 عاما و30 عاما ثلاثة إلى أربعة منهم مدمنون على
المخدرات الإيرانية، وهي أشد أنواع المخدرات خطورة حيث تعمل على
إتلاف الجهاز العصبي وبشكل كامل خلال شهر واحد من تعاطيها.
أما في اليمن، الذي عجز عن وضع حد للاستعمال المتفشي لنبتة القات
المخدرة، فإن الأرقام الكبيرة لكميات المواد المخدرة المضبوطة في
السنوات الأخيرة تعكس الخطر الذي يحدق بهذا البلد الذي يرزح تحت
وطأة الفقر. فمن أربعة أطنان من المخدرات تدخل اليمن قبل ست
سنوات إلى ما يقارب ثلاثين طنا من الحشيش المضغوط دخلت عبر
المنافذ البرية والبحرية والجوية في سنة واحدة فقط، إضافة إلى عشرات
الملايين من الحبوب المخدرة أغلبها من الكبتاجون المخدر. وقد بلغت
الكمية المضبوطة من الحشيش المخدر في عام 2008 وحده ما يُقارب 27
طنا جلبها التجار من إيران وأفغانستان وباكستان، إضافة إلى 14
مليون حبة مخدرة منها خمسة ملايين حبة كبتاجون أدخلت بطريقة
تجارية على أنها سخانات المياه وكانت معبأة بداخلها.
أما في مصر فحدث ولا حرج عن هذه الآفة التي تنخر في جسد شعب
منهك بطبعه، وقد كشف بحث أعده الدكتور عماد حمدي رئيس قسم
الطب النفسي بكلية الطب جامعة القاهرة حول تعاطي المخدرات
والمُسكرات، أجري على عينة 40 ألف مواطن في ثماني محافظات
مصرية، عن نتائج خطيرة تبين أن نسبة التعاطي بلغت 10% من
السكان في مختلف الفئات العمرية التي تتجاوز 15 عاماً، وأن
المتعاطين يتركزون في الفئة العمرية من 25 إلى 44 عاماً وهي السن
التي يكون فيها الشخص في قمة عطائه.
والخطير في البحث أنه كشف عن أن المرأة المصرية لم تسلم من
ظاهرة الإدمان وأن هناك تقديرات تشير لوجود أكثر من 400 ألف
سيدة متعاطية للمخدرات والمسكرات في مصر.
وأكد تقرير المخدرات العالمي الذي تصدره الأمم المتحدة سنويا عن
أوضاع المخدرات في العالم إلى وجود مصر في المرتبة الـ12 بين أكثر
الدول المصدرة للحشيش.
حقائق مرعبة تكشفها التقارير حول مشكلة المخدرات في المجتمعات
العربية الغارق في مستنقع من الآفات الاجتماعية التي زادت من إحباط
أبنائها، وعوض أن تحل المشكل، تسهم في تعميقه أكثر فأكثر. وتعد
مشكلة الإدمان من المشاكل الاجتماعية الخطيرة التي تهدد الشباب
مستقبل المجتمعات وتعيق النمو الاقتصادي، وتعطل عجلة التنمية، فهي
تشل حركة المجتمع وتضر بسلوكيات أبنائه وتؤثر في مدى استقرارهم
وأمنهم ومصادر عيشهم.
وفي إطار سعيها للحد من ظاهرة الإدمان التي تكتسح المجتمعات
العربية، أقرت لجنة متخصصة تابعة لمجلس وزراء الداخلية العرب
خطة مرحلية سادسة لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية وذلك
للسنوات الثلاث المقبلة ابتداء من 2010.
وقالت الأمانة العامة للمجلس الذي يتخذ من تونس مقرا له إن الخطة
تهدف إلى مواجهة ظاهرة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات
العقلية و"تحقيق نهج متوازن بين خفض العرض والطلب غير
المشروعين" عليها.
وذكرت أن الخطة تسعى أيضا إلى تعزيز التنسيق بين أجهزة المكافحة
العربية والارتقاء بقدرات العاملين ورجال الأمن فضلا عن تكثيف
التوعية لاسيما بين فئات الشباب.
وهذه قرارات مهمة وقد تأتي بأكلها، ولكن ذلك قد يكون أمرا صعبا ما
دامت المجتمعات العربية، ورغم ما تدّعيه من تقدم وتطوّر، ورغم هذا
الانفتاح الهائل على العالم بغثه وسمينه، لا تزال تتعامل مع كثير من
الآفات الاجتماعية، على غرار ترويج واستهلاك المخدرات، من باب
«التابوهات» والعيب الاجتماعي، لذلك وجدت تربة خصبة للنمو في
المجتمعات العربية التي أصابتها لوثة الانفتاح الاقتصادي وتطوّرت
مفاهيم الحياة فيها حتى أصبح تعاطي المخدرات ميزة يفتخر بها الشباب
والدجاجة التي تبيض ألماسا وياقوتا.
انشرت هذه السموم وتغلغلت بين ثنايا المجتمع متغذية من غياب الوعي
الاجتماعي والحملات التحسيسية على الملأ من مخاطر هذه الآفة
المدمرة ماليا وجسديا. فقوات الأمن والشرطة وحدها غير قادرة على
مواجهة تجار المخدرات والحد من انتشار هذه السموم فيما يعتبر السواد
الأعظم من المجتمع أن الحديث عن تفشي المخدرات موضوعا محرما
تتحاشاه عوض مواجهته.